على هامش المسلسل التركي حريم السلطان

على هامش المسلسل التاريخي التركي (حريم السلطان)
=========================================================
لقي المسلسل التاريخي التركي (حريم السلطان) الذي يتناول أخبار قصور السلطان سليمان القانوني العثماني، إقبالا شديدا من قبل النظارة في جميع الدول العربية والاسلامية والدولية، ولا نعلم إن كانت قصة هذا السلطان العثماني العظيم مع حريمه تتضمن الى جانب ما روته من أحداث ومعارك وفتوحات طالت عددا من دول البلقان الأوروبية والدول الخليجية ودول الشرق الأوسطية ودول شمال إفريقيا، باستثناء المغرب الأقصى، هذا البلد الذي استعصى على خلفاء الدولة العثمانية طيلة عهودها، الى أن تولي هذا السلطان سليمان القانوني، الذي لجأ الى استعمال وسيلة أخرى مع المغرب غير الجهاد، أملا في اجتياز الحدود المغربية الجزائرية، لاحتواء هذا الركن الأفريقي الصامد ضد أي تدخل أجنبي، عبر تاريخه العريق، ابتداء من قبل الميلاد الى صدر الاسلام الى العصور الوسطى فالحديثة، فلنقرأ ما سجله التاريخ بين المغرب في عهد السلطان محمد الشيخ السعدي، والعثمانيين في فترة حكم السلطان سليمان القانوني، وذلك من خلال ما رواه صاحب كتاب الاستقصا، المؤرخ المغربي أحمد بن خالد الناصري، قال:
كانت بين السلطان محمد الشيخ السعدي وبين السلطان سليمان القانوني العثماني خلافات سياسية حادة حول الحدود الشرقية للمغرب، حيث غزا جيش المغرب مناطق تلمسان مرتين بدون جدوى، وأثناء استعداد سلطان المغرب لغزو تلمسان مرة أخرى، أوفد اليه السلطان العثماني سفيره الفقيه محمد بن علي الخروبي الطرابلسي، (نزيل الجزائر ودفينها) وذلك في شأن عقد هدنة وضبط حدود البلدين، فقدم الفقيه على السلطان وهو بمراكش، سنة 961ه، فأكرم وفادته إلا أنه لم تظهر فائدة في مقدمه، ولم يرجع بطائل، بالرغم من ملاقاته مع علماء المغرب المشهورين آنذاك مثل (الشيخ زروق والشيخ أبي عمرو القسطلي) وقد توفي الفقيه السفير في الجزائر خلال هذه المدة في سنة 963ه
ثم زاد قلق السلطان محمد الشيخ السعدي بعدما أقدم أبوحسون الوطاسي المنتهية دولته (الوطاسية) على إدخال أتراك الجزائر الى المغرب لاسترجاع ملك الوطاسيين والاستيلاء على فاس، فطردهم منها السلطان محمد الشيخ السعدي، وكان يقول ( أريد أن أغزو الجزائر وما وراءها الى مصر لأخرج الترك من أحجارها، وكان يطلق لسانه في السلطان سليمان العثماني ويسميه بالدارجة المغربية (سلطان الحواتة – أي سلطان الصيادين) و يعني بذلك أن الترك اشتهروا بكونهم أصحاب أساطيل وأسفار في البحر ، فانتهى ذلك الى السلطان العثماني فبعث اليه سفيرا يحمل كتابا، فلما قرأه السلطان محمد الشيخ السعدي وجد فيه أنه يأمره بالدعاء له على منابر المغرب، ونقش اسمه على سكته، فحمي سلطان المغرب وأبرق وأرعد وأحضر سفير الأتراك وأزعجه لأنه ينتظر منه الجواب وقال له السلطان محمد الشيخ: ( لا جواب لك عندي حتى أكون بمصر إن شاء الله وحينئد سأكتب لسلطان القوارب )، فخرج السفير من عنده مذعورا يلتفت وراءه إلى أن وصل الى الجزائر وركب البحر الى القسطنطينية، واجتمع بالوزير الصدر الأعظم وأخبره بما لقي من سلطان المغرب، فأنهى الوزير ذلك الى السلطان سليمان، فأمره أن يهيء الجيش لغزو المغرب، فاجتمع أهل الديوان ونصحوه بأن لا يقدم على ذلك، واتفق رأيهم على أن يعينوا 12 رجلا من فتاك الترك، ويمولوهم بمبلغ 12.000 دينار ، ويوجهوا معهم كتابا الى كبير أتراك الجزائر الانكشارية الذين استخدمهم سلطان المغرب في محلته وأدمجهم في حرسه كفرقة لدعم جيوشه المغربية، وكان يدعى صالح الكاهية، ووعدوه بالمال والمنصب، إن هو نصح وساعد في اغتيال سلطان المغرب، وتوجيه رأسه مع القادمين عليه، ثم عرض الصدر الأعظم هذا الأمر على السلطان سليمان العثماني، قائلا له: هذا أمر سهل لا يحتاج فيه إلى تجهيز الجيوش، وهذا المغربي (يقصد سلطان المغرب) الذي أساء الأدب على السلطان العثماني سيأتي رأسه اليك بين يديك، فاستحسن رأيهم وشكر سعيهم، وأمر بتوجيه الجماعة المعينة في البحر الى الجزائر ومنها يتوجهون الى مراكش في البر، ففعلوا، ولما وصلوا الى الجزائر هيأوا أسبابا (أي تجارة) واشتروا بغالا وساروا الى فاس في هيأة التجار، وباعوا فيها أسبابهم، ثم توجهوا الى مراكش، ولما اجتمعوا بكبير الأتراك صالح الكاهية المذكور، أنزلهم عنده ودبر الحيلة في أمرهم، فدخل على السلطان محمد الشيخ، وقال له: يا مولاي إن جماعة من أعيان جند الجزائر سمعوا بمقامنا عندك ومنزلتنا منك فرغبوا في جوارك والتشرف بخدمتك وليس فوقهم من جند الجزائر أحد، وسيكونون إن شاء الله السبب في تملكها (يقصد برد الجزائر)، فأمر بإدخالهم عليه ولما مثلوا بين يديه رأى وجوها حسانا وأجساما عظاما، فأكبرهم ثم ترجم له صالح الكاهية كلامهم، فأفرغه في قالب المحبة والنصح والاجتهاد في الطاعة والخدمة حتى خيل الى السلطان محمد الشيخ أنه قد حصل على ملك الجزائر، فأمره بإكرامهم وأن يعطيهم الخيل والسلاح، ويدخلوا عليه مع كبيرهم صالح الكاهية كلما دخل، فكانوا يدخلون عليه كل صباح لتقبيل يده على عادة الأتراك في ذلك، وصار السلطان يبعث بهم إلى أشياخ بلاد سوس مناوبة في الأمور المهمة ليتجولوا في البلاد ويتعرفوا على الناس، وكان يوصي الأشياخ بإكرام من قدم عليهم منهم، واستمر الحال على ذلك إلى أن أمكنتهم فيه الفرصة والسلطان في بعض حركاته بجبل درن (أدرار ندرن – وهو الأطلس الكبير المطل على تاردانت) بموضع يقال له أكلكال بظاهر تارودانت، فولجوا عليه في خبائه ليلا على حين غفلة من العسس، فضربوا عنقه بشاقور ضربة أبانوا بها رأسه وحملوه في مخلاة ملئوها نخالة وملحا، وخاضوا به أحشاء الظلمات وسلكوا طريق درعة وسجلماسة، كأنهم أرسال تلمسان لئلا يفطن بهم أحد من أهل تلك البلاد، ثم أُدركوا ببعض الطريق فقاتلت طائفة منهم حتى قتلوا، ونجا الباقون برأس السلطان، فانتهوا الى الجزائر وركبوا البحر منها القسطنطينية، فأوصلوا رأس السلطان الى الصدر الأعظم وأدخله على السلطان سليمان العثماني، فأمر أن يجعل في شبكة من نحاس، ويعلق على باب القلعة، ولما شاع الخبر بأن الترك قتلوا السلطان واستراب الناس بجميع من كان منهم بالمغرب، أغلق إخوانهم الأتراك الذين كانوا في تارودانت ابوابها واقتسموا الأموال واستعدوا للحصار، ولما بويع ابنه السلطان الغالب بالله السعدي، وقدم من فاس، نهض مع عساكره إلى تارودانت للأخذ بثأر أبيه من الترك الذين لا زالوا بها، فحاصرهم مدة من الزمن، ولما لم يقدر على اقتحامها، لجأ إلى حيلة حيث أظهر الرحيل عنهم، وأشاع أنه راجع الى فاس لثائر آخر قام بها، ولما بعُد عنهم مسيرة يوم خرج الأتراك في أعقابه ليلا، والعيون موضوعة عليهم في كل جهة، إلى أن أشرفوا على محلة السلطان الغالب بالله السعدي، فانعطف عليهم ولما لم يمكنهم الرجوع الى تارودانت تحيزوا الى الجبل وبنوا فيه خيامهم وجعلوا عليها المتاريس من الأحجار، وتحصنوا بها وأحاطت بهم العساكر من كل جهة، ولم يكن لديهم بد من القتال، فقاتلوا حتى أفنوا عن آخرهم، ولم يؤخذ منهم أي أسير، وفقد السلطان الغالب في هذه المعركة من رجاله 1200 جندي، مما يدل على شراسة المعركة.
وكان مقتله رحمه الله في يوم الأربعاء 29 ذي الحجة سنة 964ه موافق 23 أكتوبر  1557م، وحمل جثمانه إلى مراكش، ودفن في روضة الأشراف السعديين، وقبره شهير بها إلى الآن، وقتل معه في تلك الليلة عالمين مغربيين من أهل سوس وهما : القاضي المفتي الفقيه علي بن ابي بكر السكتاني، والكاتب الفقيه أبوعمران الوجاني.

أما رأس السلطان القتيل، فقد بقي معلقا على باب القلعة باسطمبول الى وفاة السلطان سليمان العثماني، وبعدما تولي ابنه السلطان سليم بن سليمان العثماني الخلافة، وفد عليه من المغرب أبناء السلطان محمد الشيخ القتيل، وهما عبدالملك المعتصم وأحمد المنصور الذين شفعا لديه في إنزال رأس والدهما ودفنه.
*
* * *
*

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire