الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم - 5


* * *
*

الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -5
--------------------------------------------------------------

في هذا الموضوع سنتابع عرض المشاكل والأحداث التي تواجه الحجاج المغاربة القدماء في المشرق، ومنها المكوس والضرائب التي يفرضها أهل مكة على قوافل الحج المغربية ومحامل الحج الشرقية
* * *
وشهد عام 830 هـ لأول مرة ما يعرف في العصر الحاضر بالازدواج الضريبي، وهو تحصيل الضرائب أكثر من مرة وفي أكثر من مكان واحد
وقد أعلن حكام مصر والحجاز، بالنداء في أسواق مكة، أن من اشترى بضاعة للتجارة وسافر بها إلى غير القاهرة حل دمه وماله للسلطان بمصر
وقد جعل هذا القرار السلطاني المتشدد، تجار الشام أن يمروا ببضائعهم على مصر لتؤخذ منهم المكوس، وبعد ذلك يعودوا الى بلادهم بالشام، لتؤخذ منهم مكوس أخرى الخاصة ببلادهم، وهذه سابقة أخرى تضاف الى المغالاة في جباية الضرائب من الحجاج
وقد حفز حكام مصر بهذا القرار أمراء مكة لزيادة جلب الضرائب من الحجاج بأن جعل لهم نصيبا فيها وهو الثلث والثلثان لمصر، وقد ابتدأ هذا النظام الجبائي سنة 832 هـ
وقد عم هذا النظام جميع الحجاج سواء المصريين أو غير المصريين، وكذا في مكة أو غير مكة، وشمل التجار والحجاج معا
* * *
وقد اصطدم الحجاج المغاربة أيضا بهذا القرار، فنجد عند المقريزي في كتابه السلوك في حوادث سنة 835 هـ أن ركب الحجاج المغاربة قدم الى القاهرة، كما قدم ركب حجاج بلاد التكرور من زنوج أفريقيا أيضا وفيهم بعض ملوكهم، فعوملوا بأسوأ معاملة من التشدد في أخذ المكوس مما جلبوه من النخيل والرقيق والثياب
* * *
واستمر الحال على هذا المنوال إلى أن حل عهد الخلافة العثمانية، فسار خلفاؤها وأمراؤها على نفس التشدد والتعنت في جباية الضرائب على الحجاج، وازداد الضرر على الحجاج المغاربة بالخصوص، حتى بلغت شكاويهم ملك بلادهم وهو السلطان مولاي عبد الله العلوي، وتأخر ركب الحجاج المغربي في تلك السنوات
* * *
فقد روى الكاتب الجبرتي في كتابه عجائب الآثار، ضمن ما ذكر في حوادث عام 1149 هـ أن أحد أمراء الحج ويدعى الأمير خليل بك قطامش أنه تقلد الإمارة والصنجقية وطلع بالحج أميرا، ولم يحصل في إمارته على الحجاج راحة، وكذا على غيرهم من أهل المغرب، وكان أتباعه يأخذون التبن من بولاق ومن المراكب إلى المناخ من غير ثمن، ومنع عوائد العرب، وصادر التجار في أموالهم بطريق الحج، وكان أولاد خزنته ومماليكه أكثرهم عبيد سود، يقفون في حلزونات العقبة ويطلبون من الحجاج دراهم مثل الشحاذين، وكان الأمير عثمان بك ذو الفقار يكرهه ولا تعجبه أحواله، ولما وقع للحجاج ما وقع في إمامه، ووصلت الأخبار إلى السلطان مولاي عبد الله العلوي صاحب المغرب، وتأخر بسبب ذلك الركب المغربي عن الحج في السنة الأخرى، فأرسل سلطان المغرب مولاي عبد الله العلوي رسالة مفتوحة إلى علماء مصر وأكابرهم، ينقم عليهم سكوتهم عن هذا الظلم، ومما ورد فيها
وإن مما شاع بمغربنا والعياذ بالله وذاع وانصدعت منه صدور أهل الدين والسنة أي انصداع، وضاقت من أجله الأرض على الخلائق، وتحمل من فيه إيمان لذلك ما ليس بطائق، من تعدي أمير حجكم على عباد الله، وإظهار جرأته على زوار رسول الله، فقد نهب المال وقتل الرجال وبذل المجهود في تعديه الحدود، وبلغ في خبثه الغاية، وجاوز في ظلمه الحد والنهاية، فيالها من مصيبة ما أعظمها، ومن داهية دهماء ما أجسمها، فكيف يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يهان أو يضار حجاج بيت الله الحرام، وزائرو نبينا عليه الصلاة السلام، وبسببها تأخر الركب هذه السنة لهنالك، وأفصح لنا علماء المغرب بسقوطه لما ثبت عندهم ذلك، فيا للعجب، كيف بعلماء مصر ومن بها من أعيانها لا يقومون بتغيير هذا المنكر الفادح بشيوخها وشبانها. انتهت رسالة السلطان
* * *
وما كان هذا الخطاب الملكي المغربي المسجوع الكلمات ليغير ويصلح الاعوجاج الذي انتاب بعض أمراء الحج وزاد في تعسفهم في جباية الضرائب، فقام الوزير العثماني محمد باشا راغب، بالقبض على أمير الحج المذكور، وأمر بقتله بعد أن استشرت شروره حتى جأر وضاق منها ملك المغرب، لما حل برعيته المغاربة من شطط أمير الحج
* * *
وأثناء الحملة الفرنسية على مصر بقيادة الإمبراطور نابليون بونابرت عام 1798 م، توالى نهب محمل الحجاج المصريين وغيرهم بالحجاز من قبل العربان، وأمام هذه المعضلة، رأت فرنسا أنه قد يستوجب ذلك تدبير الوسائل الكفيلة باكتراء حرس قوي للمحمل المصري له مهابته أمام أطماع العربان والبدو بالحجاز
* * *
كما أمر السلطان احمد العثماني لحل مشكلة نهب محامل الحجاج بتخصيص ميزانية تؤدى لعربان وبدو الحجاز ويشتري منهم أمان طريق الحجاج مقابل إتاوة بالملايين كانت تعطى للعربان الذين يشغلون الصحاري التي تقع فيها طرق قوافل الحجاج حتى تجتازها بأمان
* * *
وفي الموضوع القادم سنورد وضعية الحجاج عموما في القرن 19 و 20 الميلادي والحلول التي وضعت لحل فظائع النهب والسلب التي يتعرض لها حجاج بيت الله الحرام ، والله الموفق
* * *

وصول المحمل الى الأراضي المقدسة
* * *
وصول المحمل الى مكة المكرمة
* * *
-----------------------------------

تقديم : محمد زلماضي المزالي
------------------------------------

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire