الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -6


* * *

الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -6
--------------------------
سنتابع في هذا الموضوع عرض المواجهات المختلفة والتي وقعت للحجاج المغاربة سواء بمصر حيث تلتقي المحامل المغاربية كلها في موعد واحد، أو في الأراضي المقدسة
* * *
وفيما يتعلق بما وقع للحجاج في صعيد مصر، فقد روى الرحالة الأندلسي ابن جبير، وهو كما نعرف من ضمن حجاج المغرب والأندلس، يصف ما رآه أثناء ذهابه لتأدية فريضة الحج عبر نهر النيل عام 759 هـ فقال : وببلاد الصعيد المعترضة في الطريق، للحجاج والمسافرين، كأخميم وقوص ومنية ابن الخصيب من التعرض لمراكب المسافرين، وتكشفها والبحث عنها، وإدخال الأيدي إلى أوساط التجار، فحصا عما تأبطوه أو احتضنوه من دراهم أو دنانير، ما يقبح سماعه، وتستشفع الأحدوثة عنه، كل ذلك برسم الزكاة، دون مراعاة لمحلها أو ما يدرك النصاب منها
* * *
وأضاف ابن جبير مشهدا آخر غاية في الطرافة لاستخلاص الصدق من التجار حيث قال : وربما ألزم المباشرون التجار بالأيمان على ما بأيديهم، وهل عندهم غير ذلك، ويحضرون كتاب الله العزيز ليقع عليه اليمين، فيقف الحجاج بين أيدي هؤلاء المتناولين لها مواقف خزي ومهانة تذكرهم بأيام المكوس في مكة
* * *
ويصف ابن جبير الجباة الجامعين للمال بأنهم شرذمة من مردة أعوان الزكاة، وهم يمسكون في أيديهم المسال الطوال ذوات الأنصبة، فيصعدون الى المراكب استكشافا لما فيها، فلا يتركون عكما ولا غرارة إلا ويتخللونها بتلك المسال الملعونة، مخافة أن يكون في تلك الغرارة أو العكم، الذين لا يحتويان سوى الزاد، شيء غيب عليه من بضاعة أو مال
* * *
وأمام هذه المشاهد المقرفة، والتي حضرها الرحالة ابن جبير فقال : أن أمراء مكة المكرمة يقومون بأخذ العشور من التجار المسلمين، وكان رأيه في ذلك أن هذا الأمر مخالف للشريعة الاسلامية مما دفعه الى القول بأن لا إسلام إلا بالمغرب
* * *
ومن خلافات ركب الحجاج المغربي مع أهل الحجاز، ما حدث في عام 785 هـ في مدينة ينبع بالأراضي الحجازية، فقد نزل أمير ينبع سعد بن أبي الغيث الحسني، على الحجاج المغاربة بوادي العقيق، وطلب منهم أن يعطوه المال، فأمسكه شيخ ركب المغاربة، وربطه من كتفيه بحبل، وأخذ فرسه من تحته، وأخذه ماشيا إلى خيامه، فأتاه جماعة من قبيلته، وقاتلوا المغاربة أشد القتال، وقتل من المغاربة جماعة كثيرة، وخلصوا أمير ينبع من أيديهم
* * *
كما وقعت معركة أخرى بين المغاربة وحجاج التكرور الأفارقة من جهة وبين الصعايدة المصريين كان من نتائجها أن خلص منهم المغاربة أموالهم التي نهبها منهم الصعايدة
* * *
كما حدثت مصادمات أخرى بين المغاربة والمصريين في القاهرة وذلك في عهد العثمانيين ومنها ما رواه الجبرتي في حوادث سنة 1110 هـ حيث قال
وفي 14 شوال 1110 هـ كانت واقعة المغاربة من أهل فاس وتونس، وذلك أن من عادتهم أن يحملوا كسوة الكعبة كل سنة للبيت الحرام، ويمرون بها وسط القاهرة، ويمشي المغاربة حاملين جانبا منها للتبرك بها، ويضربون كل من رأوه يشرب الدخان في طريق مرورهم، فلما رأوا رجلا من أتياع مصطفى كتغدا القازدغلي يدخن الشيشة غير آبه بمن يمر أمامه، فكسروا أنبوبة دخانه وتشاجروا معه وشجوا رأسه، وكان في مقدمتهم طائفة منهم مسلحون وزاد التشاجر واتسعت القضية، وقام عليهم أهل السوق، وحضر أوده باشا البوابة فقبض على أكثرهم ووضعهم في الحديد، وطلع بهم الباشا وأخبروه بالقضية، فأمر بسجنهم بالعرقانة، فاستمروا حتى سافر الحجاج من مصر، ومات منهم جماعة في السجن، ثم أفرج عن الباقين
* * *
وروى الجبرتي صدام آخر وقع بين المغاربة وأهل مصر في شهر رمضان عام 1202 هـ، فقال
أن طائفة من حجاج المغرب نزلوا بشاطئ النيل في بولاق للمبيت هناك، وكان بالقرب من خيامهم عسكر القليونجية من حرس اسماعيل بك، وهم في سمر مع نساء يتعاطون المنكرات من خمر وفحش، فكلمهم المغاربة ونهوهم عن فعل القبيح، وخصوصا في هذا الشهر رمضان المبارك، أو يبتعدوا عنهم، فضربوا عليهم طبنجات، فثار المغاربة، وهرب القليونجية إلى مراكبهم، فنط المغاربة خلفهم، واشتبكوا معهم، ومسكوا من مسكوه، وذبحوا من ذبحوه، ورموه إلى البحر، وقطعوا حبال المراكب، ورموا صواريها، وحصلت زعجة في بولاق تلك الليلة، وأغلقوا الدكاكين، وقتل من القليونجية نحو العشرين، ومن المغاربة دون ذلك، فلما بلغ رئيسهم اسماعيل بك الخبر اغتاظ لذلك، وأرسل إلى المغاربة يأمرهم بالانتقال من مكانهم، فانتقلوا الى القاهرة، وسكنوا بالخانات، فلما كان ثاني يوم، نزل الأغا والوالي ( وهما أعلى سلطة في القاهرة من قبل العثمانيين) وناديا في الأسواق على الحجاج المغاربة بالخروج من المدينة إلى ناحية العادلية، ولا يقيمون بالبلد، وكل من آواهم يستأهل ما يجرى عليه، فامتنع المغاربة من الخروج، وقالوا : كيف نخرج الى العادلية ونموت عطشا، فذهبت منهم طائفة إلى اسماعيل كتغدا حسن باشا، فأرسل الى اسماعيل بك بالروضة يترجى عنده فيهم، فامتنع ولم يقبل شفاعته، وحلف أن كل من مكث منهم بعد ثلاثة أيام سيقتله، فتجمع المغاربة أحزابا، واشتروا أسلحة، وذهبت منهم طائفة إلى الشيخ العروسي، والشيخ محمد بن الجوهري، وتكلموا مع اسماعيل بك، فنادى عليهم بالأمان
* * *
وقد أوضح الجبرتي هنا أن هذه الإصطدامات في العادة لم تكن بين المغاربة والمصريين الأصليين والذين يعرفون بأولاد البلد، بل كانت صداماتهم تقع مع عناصر عسكرية وهي في العادة كانت من العناصر التركية، كما أن المغاربة في ذاك العهد كانوا متشددين في أمور الدين فلم يقبلوا أن تمارس المنكرات أمامهم كتدخين الشيشة والسمر مع النساء، وهم في ما هم من السفر إلى بيت الله الحرام، فكانت هذه الأفعال تستفزهم إلى أقصى حد
* * *
وفي الوقت الذي بزغ فيه نجم الحركة الوهابية في الأراضي الحجازية قرر الوهابيون إلغاء الضرائب في مكة، إلا ما كان حقا، وقد أرسلوا لذلك خطابا الى السلطان العثماني في مفتتح القرن 19 الميلادي، أي في عام 1218 هـ الموافق 1803 م، ومع ذلك قام الجباة العثمانيون بمحاسبة ركب الحجاج المصريين ومن ضمنهم حجاج الدول المغاربية، وذلك بأن أمرهم بعدم دخول مدينة القاهرة، والاقامة في ضاحيتها
* * *
وفي مطلع القرن 20 الميلادي، أمر العثمانيون الشريف حسين بن علي أمير مكة، أن يفرض على الحجاج ضريبة خط السكك الحديدية الحجازية، لربط الأراضي المقدسة بالشام وتركيا، وتقليل المشاق التي يتعرض لها الحجاج، وقد شدد الشريف حسين على جباية هذه الضريبة على جميع من وطأت قدمه أرض مكة من الحجاج، ولم يسلم من هذا الاجراء حتى أمراء السلطنات اليمنية، مثل عوض بن عمر القعيطي، سلطان المكلا والشحر، وأحمد بك الجمل من أعيان المنصورة، وأحمد بك الضى
* * *
وقد أمر الشريف حسين بعدم خروج أحد من الحجاج من مكة حتى تجبى منهم الضريبة كلها، وعلى ذلك حبس الحجاج بمكة بعد تأدية الفريضة سبعة أيام، وكانوا في عجلة من أمرهم لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الشريف حسين منعهم وأمرهم قائلا لهم : مكانكم حتى تدفعوا الضريبة، وقد ذكر من حضر لهذه الحادثة وهو اللواء ابراهيم رفعت باشا، أن بعضا من حجاج المغرب شكا لدولة الوالي حبسهم بمكة، فأرسل معهم مندوبه الى دولة الشريف ليسمح لهم بالخروج، فلما وصلوا إليه نزل عليهم ضربا بالعصى، وإذ ذاك انقض عليهم زبانيته وهم البارودية، فتشتتوا مذعورين ورجعوا بخفي حنين
* * *
ويضيف الراوي اللواء المذكور ، أنه بعدما جبى الشريف حسين ضريبة السكة الحديدية من الحجاج داخل مكة، أذن لهم بالخروج، ووضع لهم مصدة أخرى في بداية الطريق الى المدينة، لجباية عائدات الحكومة عن كل جمل خال أو محمل، وبلغ ازدحام الحجاج أشده لأن المحصل في ذلك المكان كان وحيدا بدون مساعدين، وكان بجانبه زبانيته يضربون أي حاج يريد المرور دون الأداء، واستعملوا معهم كل غلظة وقساوة لا تصدر من الوحوش، فضلا عن الأناسي، بل فضلا عن كل مسلم يدين بالاسلام، وكانت الطريق ضيقة لا تسع إلا لجملين بشقادفهما، فتداخلت الأحمال بين الجمال، وتكسرت المحامل والشقادف بفعل الاصطدامات، وسقط الراكبون من أعلى الجمال، وخاصة النساء والعجزة، وتكسرت عظامهم، وفقدت أمتعتهم، وتسمع ولولة النساء وعويل الصبيان واستغاثة الضعفاء ومنازعات الرجال، ولا توجد هناك شرطة ولا حرس لتنظيم المرور، وكل ذلك مغبة حبس الشريف حسين للحجاج، وسوء نظام الجباية
--------------------------
يتبع
* * *


مشهد جانبي للمحمل المصري

* * *

صورة تفصيلية للمحمل المصري في المتحف
* * *

نوع آحر من المحامل
* * *
-----------------------------------

تقديم : محمد زلماضي المزالي
------------------------------------

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire