الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -4


* * *
*


الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -4

----------------------------------------------
في هذا الموضوع سنتابع عرض المشاكل والأحداث التي تواجه الحجاج المغاربة القدماء في المشرق، ومنها المكوس والضرائب التي يفرضها أهل مكة على قوافل الحج المغربية ومحامل الحج الشرقية
* * *

وفيما يلي سنورد باقي الاحتجاجات الصادرة من بعض علماء العالم الإسلامي، ومنها ما رواه المؤرخون من أن أحد علماء الشام غضب غضبا شديدا على فداحة هذه الضرائب، وهو الشيخ علوان الأسدي الحلبي، وكان مقربا من السلطان صلاح الدين الأيوبي، مما جعله مؤهلا لإبلاغه بما يكابد الحجاج في مكة، فقد حج هذا الشيخ ذات مرة، فلما وصل إلى جدة طولب بأداء الضريبة، فأبى أن يسلم لجباة المكوس من الحجاج شيئا، وأراد الرجوع، فلاطفه الجباة، وبعثوا إلى أمير مكة الشريف مكثر بن عيسى يعرضون عليه أمر امتناع الشيخ الحاج عن دفع الضرائب، فأمر أمير مكة بإعفائه من دفع الضرائب، فلما ذهب الشيخ الحاج إلى مكة اجتمع به الأمير، وقدم إليه الاعتذارات لكي يسترضيه، وأخبره أن سبب هذه الضرائب أن العائد من الدخل المادي من وفود الحجاج لا يفي بمطالب الناس ومصالحهم، فكتب الشيخ علوان الأسدي الحلبي إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي، ليبين له مقدار سوء الحالة المادية لدى أهل مكة، وكيف أن أميرها كان مدفوعا إلى بدعة جباية الضرائب من الحجاج بسبب ضعف الدخل، فأمر السلطان صلاح الدين الأيوبي، بإعفاء حجاج مكة من الضرائب، نظير تعويض أمير مكة بالغي دينار وألفي اردب من القمح تدفع لمكة سنويا، وترسل إليه عن طريق المراكب البحرية إلى جدة، كما أقطعه بعض الأراضي في مصر، وقد شمل هذا الإعفاء أيضا المكوس المأخوذة من الحجاج القادمين بحرا من مرسى عيذاب بمصر الى جدة

وأمام قرار هذا السلطان الصالح، من إعفاء الحجاج من المكوس التي كانت بمثابة الهم الثقيل، والذي رفعه عن كاهلهم، فعم الفرح بهذا الصنيع الأيوبي المبارك جميع حجاج بيت الله الحرام، وكان من ضمن من حضر في هذه المناسبة كبير الحجاج المغاربة، الرحالة الأندلسي ابن جبير الذي عبر عن فرحته بقصيدة توجه فيها لمدح السلطان صلاح الدين الأيوبي فقال
رفعت مغارم مكس الحجاز * * * بإنعامك الشامل الغامر
وآمنت ـكناف تلك البلاد * * * فهان السبيل على العابر
ولم تدم فرحة الحجاج بمكة أكثر من فترة حكم السلطان صلاح الدين الأيوبي، فقد روى المقريزي في كتابه الخطط، أن السلطان عثمان بن صلاح الدين الأيوبي أعاد المكوس إلى حالها وزاد في شناعتها
* * *
واستمر الحال على ذلك الى سنة 639 هـ وفيها حج ملك اليمن المنصور نور الدين بن علي بن رسول حجته الثانية، فأبطل جميع المكوس على حجاج مكة، ونشر قراره على لوحة مربعة قبالة الحجر الأسود، وظلت هذه المربعة قائمة إلى أن اقتلعها ابن المسيب والي مكة سنة 646 هـ وأعاد فرض المكوس على حجاج مكة من جديد
* * *
وفي عهد السلطان الظاهر بيبرس الشهير بقاهر المغول، توجه في سنة 667 هـ حاجا إلى بيت الله الحرام في ملابس الإحرامـ، وفي نفسه غيظ من شريف مكة أبي نمي، ومن استهانته به، فلما تقابلا في مكة، حاول أبو نمي استرضاءه، فأشهد على نفسه أمام السلطان ووفده أنه ترك جميع الجبايات التي يأخذها من الحجاج إلى يوم القيامة، إكراما له وتعظيما لمقامه، وخوفا من أن يزيحه عن كرسي إمارة مكة، وهو قاهر المغول في الشام
* * *
ولم تدم هذه الحالة أكثر من فترة حكم السلطان الظاهر بيبرس، إذ ذكر الكاتب عبد القادر الأنصاري الجز يري، أن المكوس عادت في عهد السلطان المنصور قلاوون، وأصبحت في حكم المساومات بين أمراء مكة وأمراء قوافل الحج المصري
* * *
وقد ظهر في هذه الفترة نوع إضافي آخر من المكوس في مكة، مما زاد في تخوف الحجاج من أداء فريضتهم في طمأنينة، وهي ضريبة التأخير، أي أن من تأخر عن الرحيل من مكة بعد الحج عليه أداء ضريبة إضافية، مما جعل الحجاج يستعجلون الرحيل من مكة قبل استكمال واجباتهم الدينية
* * *
ومما زاد الطين بلة أن هذه الضرائب الإضافية ترسل الى مصر بصفتها المركز المالي المسيطر على إدارة الحجاز في ذلك العهد، مما جعل العلامة المقريزي يكتب في كتابه سنة 829 هـ مستغربا من انقلاب الأمور حتى صارت مكة تجبي الأموال لترسلها لمصر، فأين مصير الإعفاءات السابقة، فقال
فجاء للناس ما لا عهد لهم بمثله، فإن العادة لم تزل من قديم الدهر في الجاهلية والإسلام أن الملوك تحمل الأموال الجزيلة إلى مكة لتفرق في أشرافها ومجاريها، فانعكست الحقائق وصار المال يحمل من مكة ويلزم أشرافها بحمله، ومع ذلك، فمنع التجار أن يسيروا في الأرض يبتغون من فضل الله وكلفوا أن يأتوا إلى القاهرة حتى تؤخذ منهم المكوس على أموالهم
وإتي لأذكر أن الملك المصري المؤيد شيخا، نظر مرة في أيام قدوم الحجاج إلى مصر فرأى من أعلى قلعة الجبل خياما مضروبة بالريدانية خارج القاهرة، فسأل عنها فقيل له : إن العادة أن ينصب ناظر الخاص عند قدوم الحجاج خياما هناك ليجلس فيها مباشرو الخاص وأعوانه حتى يأخذوا مكس ما معهم من البضائع، فقال الملك : والله لقبيح أن يعامل الحاج عند قدومه بهذا، واستدعى بعض أعيان الخاصكية وأمره أن يركب ويسوق حتى يأتي الخيام ويهدمها على رؤوس من فيها، ويضربهم حتى يحملوها وينصرفوا، ففعل المأمور ذلك ولم يتعرض أحد في تلك السنة للحجاج
وأضاف المقريزي : لعمري لقد سمعت عجائز أهلنا وأنا صغير يقلن عن هذه الظاهرة، أنه ليأتي على الناس زمان يترحمون فيه على فرعون، فبرغم أن سنينا مضت وخلفت حتى أدركت وقوع ما أنذرنا به من قبل، ولله عاقبة الأمور. انتهى كلام المقريزي
* * *
وفي الموضوع القادم سنورد باقي الاحتجاجات الصادرة من مختلف ملوك وعلماء العالم الإسلامي، والله الموفق
* * *

حفل وداع المحمل المصري
* * *
المحمل المصري
* * *
-----------------------------------

تقديم : محمد زلماضي المزالي



------------------------------------

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire