--==*==--
الأوبئة والمجاعات في المغرب
القرن 18 و 19 م
--==*==--
· المجاعة الكبيرة
o أسباب المجاعة : تصدير القمح المغربي إلى دول أوروبا ومنها البرتغال واسبانيا وفرنسا بين سنتي 1766-1774 بقرار من السلطان محمد بن عبدالله العلوي وكانت الكمية 100.000 قنطار إلى اسبانيا و100.000 قنطار إلى فرنسا تكفلت بنقلها 30 سفينة، وقد تسببت هذه العملية في ارتفاع أسعار القمح ثلاث أضعاف، ثم تلتها الضربة الطبيعية بالجفاف والقحط الذي عم المغرب والتي كانت سببا مباشرا في توفير ظروف مجاعة سنة 1776
o مجاعة سنة 1776 : اجتاح الجراد إقليم سوس والغرب وتسبب في خسائر كبيرة فجاءت المحاصيل ضعيفة إلى جانب موجة الغلاء حيث بلغ سعر القمح 7 أوقية للمد الواحد، فأصدر السلطان محمد بن عبدالله العلوي قرارا بحظر تصدير القمح، وقد عرفت هذه السنة لدى المغاربة بأنها بداية المجاعة الكبيرة
o انفراج سنتي 1777-1778 : انفرجت أحوال المغرب بعد أن تهاطلت أمطار غزيرة في كافة أرجاء المغرب وغمرت السيول والوديان والسهول حيث دامت الأمطار 15 يوما فخففت من موجة الغلاء وتحسنت الأحوال نسبيا وانخفضت أسعار القمح بنسبة 50% واستأنف المخزن تصدير القمح إلى أوروبا لجلب العملة الصعبة
o عودة المجاعة بين سنتي 1779-1782 : ابتدأت الأحوال في المغرب تشتد فحصل قحط شديد وجفاف رهيب دمر المحاصيل وأعقبه وابل من الجراد الذي عتمت السماء بأسرابه المدمرة، والذي يخلف وراءه يرقاته التي تفرخ من جديد لتأتي على ما تبقى من النبات، فانهارت المحاصيل الزراعية واشتعلت الأسعار وعرفت هذه الفترة بنضوب المراعي وهلاك الدواب حتى كادت أن تنقرض الأبقار، فأكل الناس الخنزير والأعشاب البرية، وكان الناس يموتون في الطرق، وازدادت الشدة بظهور مرض الحمى الذي مات به خلق كثير، وبقيت أغلب الأراضي بورا لعدم قدرة الفلاحين على خدمتها، فبلغ ثمن القمح 50 أوقية للمد الواحد بعد أن كان يباع بمبلغ 5 أوقية، وانقطع الزرع من الرحبة بالأسواق والخرنوب والزبيب والتين والشعير والذرة والبشنة، فاضطر السلطان إلى توزيع الغوث على رعاياه كما فتح باب استيراد القمح الذي كان يصدر بالأمس، كما ساهمت دول أوروبية في تخفيف الأزمة حيث قامت بادخال الفواكه اليابسة والزيت والزبدة والحبوب إلى المغرب
o نتائج المجاعة الكبرى
§ التنائج الديموغرافية : أتى الفناء على ثلث سكان المغرب
§ تقلص مداخيل الدولة : انهار حجم التجارة الخارجية ومعه المداخيل الجمركية وتقلص مداخيل المكوس وازداد عمليات استيراد الحبوب التي استنزفت أموال الدولة كما توقف المخزن عن جباية الضرائب بسبب هذه الظروف
§ اضطرابات المعدمين : ذيوع النهب والسلب واللجوء إلى السطو والعنف على القوافل وتضخم عدد قطاع الطرق حيث كانت تضم عصاباتهم أكثر من 200 لص، فأدت عملياتهم إلى شل حركة المواصلات بين أقطار المغرب ومدنه حتى اضطرت الدولة إلى استعمال الطرق البحرية عوض البرية وقد استعملها السلطان سليمان العلوي بنفسه عندما حاول الدخول إلى الجديدة لفتح خزائن الحبوب لتوزيعها على المنكوبين
§ زحف أهل الجبال : اضطرت ظروف أهل الجبال القاسية في هذه الأزمة إلى اجتياح سكانه السهول لسد رمق جوعهم فنهبوا مطامير أقوات ومؤن أهل السهول فازدادت الفوضى الغذائية
· الوباء العظيم
o طاعون سنتي 1798-1800
§ ظهوره : أول ظهور لهذا الوباء في الشمال الافريقي كان في الاسكندرية بمصر سنة 1783 ثم نقله التجار والحجاج إلى تونس ثم انتقلت العدوى إلى الجزائر وفي سنة 1787 رست سفينة موبوءة في ميناء طنجة وعلى متنها حجاج مغاربة وكاد المغرب ينضم إلى المصابين بهذا الطاعون لولا الحجر الصحي الذي كان قد فرضه المخزن على الحدود البحرية والبرية على الحدود الجزائرية وفي صيف سنة 1798 دخل الوباء للمغرب مع الحجاج عبر الطريق القاري الشرقي والذي كان الوباء متفشيا فيه بتلمسان، ثم انتشر في نواحي مليلية وقبائل الريف ثم نواحي فاس ومن تم انتشر في المغرب قاطبة حتى هلك به خلق كثير
§ طبيعته : كانت أعراض هذا الوباء تتمثل في الدماميل والقيء والاسهال وخروج شيء في مغابن الانسان كإبطه يشبه الجوزة ويسود ما حولها أو يحمر فيمرض المصاب أياما ثم يتقيأ ما يشرب ولا يكاد يصبر على الماء ويقع له اسهال في البطن أنتى من الجيفة، وهذا هو الطاعون المعروف بالدملي والذي تتراوح نسبة الوفاة به بين 65 % و 90 %، وهناك طاعون آخر ذكره القنصل الانجليزي دجاكسون واصفا طبيعته فقال : تأخذ المريض قشعريرة ولا تظهر عليه الدماميل ويموت في ظرف 24 ساعة وتتعفن جثته بسرعة وهذا هو الطاعون المسمى بالرئوي ونسبة الوفاة به تصل 100 %
§ انتشاره : بالرغم من مساعدة الهيئة القنصلية في فرض الحجر الصحي والأحزمة الصحية في شمال وشرق المغرب، إلا أن الوباء صادف ظروفا محلية مناسبة لتسريح حركية العدوى، ومنها المجاعة والجفاف والقحط فتسرب الوباء إلى حوز مراكش كما ساعده على الانتشار تحركات الجيش السلطاني بين مدن المغرب لقمع الفتن، فتوغل الوباء بعد ذلك عابرا جبال الأطلس الكبير إلى قطر سوس بشكل مريع
§ ضحاياه : احدث الوباء انهيارا ديموغرافيا كبيرا إلى حد أن كثيرا من المدن خلت من سكانها، فكان يموت في المدن يوميا أكثر من 700 ضحية ففي أحد أحياء فاس فتك الوباء بحوالي 15.000 شخص ولم يبقى فيه سوى 30 شخصا فقط، وكان الضحايا في الاناث أكثر من الذكور، ففر سكان المدن إلى البوادي وبقي الموتى بدون من يتولى تجهيزهم، وفي مراكش بلغ عدد الوفيات 2000 ضحية يوميا طيلة أربعة أيام، وفي تارودانت بلغت الوفيات 800 ضحية في اليوم بحيث كانت فيها حامية عسكرية لم ينج منها سوى جنديين من مجموع 1200 عسكري، وكانت تحفر حفرة كبيرة تلقى بها الجثث ويتركونها في العراء وتنهشها الكلاب والطيور الكواسر، فعم الاستسلام واليأس أمام شبح الفناء، وكانت القرى في البوادي مهجورة وخلت من سكانها، وذكر المؤرخون الأجانب الذين زاروا جنوب المغرب آنذاك أن بعض القرى التي كانت تضم 800 شخص لم يسلم منهم سوى 4 أفراد وفي أخرى لم يبق على قيد الحياة سوى 7 أشخاص من مجموع 500 نسمة، كما وصف صاحب الابتسام هذا الوباء بأنه الطاعون الكبير الذي عم بوادي المغرب والامصار وخلف بسببه الخيام والديار وكان موتا ذريعا كاد أن يفضي إلى الفناء، وقال عنه الفقيه المانوزي السوسي : الوباء أخلى البلاد من العباد، كما أورد الأستاذ المختار السوسي في كتبه إلى انقراض أسر بكاملها في هذه الفترة، وهو ما تعكسه كثرة النوازل التي نشأت بصدد مشكل التركات وفصل الخصومات الناجمة عنها، وبهذا يتفق المؤرخون أن هذا الوباء الكبير نتجت عنه فداحة الخسائر في الأرواح حتى أباد ثلث عدد سكان المغرب
o انفراج الوباء بين سنتي 1801-1816 : انحسر الوباء واستأنف الناس حياتهم العادية وتحقق نوع من التوازن بين محيطهم الطبيعي وانتاجاتهم وحاجياتهم، واستمر المغرب في تصدير منتجاتهم من الحبوب إلى الخارج بعدما بلغ منه اكتفاءه الذاتي
o الأزمة الغذائية بين سنتي 1817-1818 : في هذه الفترة قلت الأمطار وتكالب الجراد من جديد على المغرب وخاصة في الجنوب، فارتفعت أسعار الحبوب وحلت الأزمة الغذائية وزاد من تفاقم الأمر بعدما سمح السلطان المولى سليمان العلوي لفرنسا باستيراد الحبوب لمواجهة خصاصها منه، وعمت الفوضى الاقتصادية بين المغاربة والمخزن وعاد الجوع للبلاد وظهرت بوادر الأوبئة مرة أخرى
o عودة طاعون 1818-1820 : في هذه الفترة هدد المغرب وباء الطاعون بعدما نجى من وباء الحمى الصفراء التي اجتاحت جارته الجزائر سنة 1804، وذلك بسبب نجاح فرض الحجر الصحي الدولي على المراكب البحرية القادمة من أوروبا والمتجهة لميناء طنجة وموانئ المغرب، وهكذا حاولت الدولة المغربية مدافعة هذا الوباء عن ترابه، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان حيث نزلت سفينة بميناء طنجة وعلى متنها أميرين من أبناء السلطان الذين قدما من الأراضي المقدسة حيث سمحت لهم سلطات الحجر الصحي بدخول المغرب لمكانتهم وكانت سفينتهم حاملة للجرثومة الأولى لوباء الطاعون فكان الخدم أول من أصيب به حيث توفوا فورا ثم انتشر الوباء في الشمال المغربي وهو الوباء المسمى بطاعون طنجة والذي انحسر سنة 1920
o مجاعة 1825-1826 : آخر حلقة من سلسلة المجاعات التي حدثت في الغرب بين أواخر القرن 17 و 19 الميلادي، وبعدها عادت الحياة الطبيعية الى المجتمع المغربي، وقد تخللتها أزمات غذائية وجوائح سريعة وأوبئة خفيفة سرعان ما تغلب عليها المخزن المغربي
ooo
- أثر وباء الطاعون في النمو السكاني بالمغرب
----------------------------------------------
كان من نتائج وباء الطاعون أثر بالغ في فناء العنصر البشري بالمغرب مع نهاية القرن 18 الميلادي، وقد ورد في كتاب تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب توضيحا لهذه الآثار وهي كالتالي
وليست الكارثة التي كانت تحل بالبلاد في عدد الأشخاص الذين ماتوا بقدر ما هي في السن التي ماتوا فيها، فالموت بالطاعون يقل مع العمر مما يعني أن الفئات الأكثر تعرضا للإصابة هي فئات الأطفال والشباب والنساء، بمن فيهن نسبة هامة من الحوامل
ويذكر القنصل الانجليزي دجاكسون : أن طاعون 1798-1800م ضرب أول من ضرب الشباب، ثم النساء والأطفال، وفي المرتبة الأخيرة ضرب الناس الهزل والمستنزفين
وفي المصادر المغربية نورد ما قاله القادري في ترجمة الفقيه سي المودن من أعيان فاس، حيث قال (تزوج امرأة وولد معها أولادا وتوفيت مع أولادها بالطاعون) كما أخبرنا احمد بن عجيبة بأنه (فقد جميع أولاده في طاعون 1798-1800م) كما يخبرنا الضعيف بأن أخاه فقد ولده وزوجته في هذا الطاعون)
وهكذا حالت هذه الكوارث خلال هذه الحقبة دون حدوث أي تقدم ديموغرافي في البلاد، ففي القرن 16 و 17 الميلادي كان عدد سكان المغرب يتراوح بين 4 و 5 ملايين نسمة، ثم جاءت مجاعة 1721-1724م لتهبط بعددهم إلى حد كبير، وبعد فترة تصاعد قصيرة، تمثلها السنوات الأخيرة من حكم السلطان المولى اسماعيل العلوي وبداية عهد خلفائه، جاءت مجاعة 1737-1738م لتهبط بعدد السكان مرة أخرى، وبعد ذلك تقلبت الأوضاع دون أي اتجاه إلى أن ظهر طاعون منتصف القرن 18م حيث سجل هبوطا جديدا لعدد السكان، ثم عاد عددهم في التزايد في عهد السلطان سيدي محمد بن عبدالله العلوي، لكن مجاعتي 1776 و 1779-1782م كانت شديدة الوطأة حيث عصفت بخمس السكان، ثم انفرجت الأحوال لتتيح فترة لتعويض خسائرها، إلا أن تلاحق الكوارث في نهاية القرن 18م وبداية القرن 19م أدى إلى نزيف سكاني كبير، بحيث أصبحت البوادي تبدو خالية من سكانها، بحيث كان المسافرون يطوون المراحل خلال أيام متعددة دون أن يصادفوا مخلوقا بشريا في طريقهم، ويمكن القول إن عدد سكان المغرب تقلص إلى حوالي ثلاثة ملايين 3.000.000 نسمة في هذه الفترة في المغرب
----------------------------------------------------------
المصدر : تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب – محمد الأمين البزاز
تقديم : محمد المزالي
-----------------------------------------------------------
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire