إنذار الحاج علي الدرقاوي باحتلال المغرب

*
--==*==--
قصيدة للشيخ الحاج علي الدرقاوي
المتوفى سنة 1328 هـ موافق 1910 م
حول أوضاع شعوب الدول المغاربية مع الاحتلال
--==*==--
أورد العلامة المختار السوسي في كتابه {المعسول} خبر والده الشيخ الحاج علي الايلغي المشهور بالدرقاوي، في رحلته الحجازية وهو يرسل صرخة صاخة ليستنهض بها الناس لمقاومة الاحتلال الفرنسي الذي نزل بالجزائر ثم تونس، والمغرب آنذاك لا زال حرا
فلنستمع لما يقوله في هذه الرحلة يوم رحل من تونس بعد استراحة الحجاج المغاربة فيها، متوجها الى الديار المقدسة سنة 1305 هـ موافق 1888م وهو يصف في قصيدته الرائعة حال المسلمين في تونس حينما احتلت من قبل الفرنسيين في تلك الفترة بعد الجزائر، ويصف كيف ودع صديقه في مسجد الإمام الشاذلي بتونس وهو يتحسر على معاناة شعوب الشمال الإفريقي الذي تتابع سقوط أقطاره تحت نير الاحتلال بدءا من القطر الجزائري وفي عهده جاء دور القطر التونسي وكان الشيخ يتخوف من أن يأتي الدور على بلده المغرب، وفي هذه القصيدة يصف لنا الشيخ كيف ودعه صديقه التونسي وهو يحمله السلام الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكلفه بتبليغ شكواه الى مقامه الشريف ويطلب منه الشفاعة والدعاء لرفع هذا الحِجْر وظلم أعداء الاسلام
--==*==--
وقد جرى في آخر الأيام * * * هناك مع فذ من الأعلام
مستندا الى عمود الشاذلي * * * وهو مكانه لدى الأصائل
فقال بلغن الى الرسول * * * متى حظيت منه بالمثول
فقال قولا ألهب القلوبا * * * حتى تكاد منه أن تذوبا
قال إذا وصلت قبره الشريف * * * وكنت أثناء مقامه المنيف
وفازت النفس هناك بالمنى * * * واكتحلت عيناك منه بالسنا
فقل له يا أيها الرسول * * * غر بني ملتك الذهول
وإنها لأمة مستضعفة * * * احتوشتها أمم مستضعفة
حتى غذت كاللحم فوق وضم * * * من يفتح الشدق إليها يلهم
رموا وراء كل ما خلفتا * * * وضيعوا في الدين ما أسلفتا
ونبذوا الدين سوى أطلال * * * تبدو لما أسست كالظلال
فبأسهم بينهم شديد * * * من أجلها كأنهم حديد
بيناهم في غفلة ووسن * * * ليس لهم بين الورى من رسن
اذ دهمت بين الديار الجلى * * * فالبعض أسرى والبعض قتلى
قد زعزعت بلادهم كفار * * * كان لهم من قبل ذاك ثار
فاستحوذوا على بلاد أمتك * * * وقصدهم محو لكل ملتك
حتى غذا كل بني الايمان * * * أسرى بوسط الدار في البلدان
ودينهم ممتهن عيانا * * * كما يلاقي أهله الهوانا
قد مزقوا وشتتوا واحتقروا * * * وامتهنوا بيد من قد كفروا
فهاهم في صقعهم لا حولا * * * لا قوة غير دعاء يتلى
وما لهم وجه به يستشفعون * * * الى إلهك ومنه يرتجفون
سواك يا خير البرايا عنده * * * فأنت من ليس يرد وحده
فليس للمستضعفين غير * * * دعاء إذا مس البلا والضر
فأنت باب للدعاء يستجاب * * * فمن أتى الباب فما أخطأ الصواب
بلغ إلى نبينا هذا الكلام * * * من بعد أن تقرأ له مني السلام
يقول ذاك والدموع في العيون * * * كأنما ثرت بمائها العيون
ثم جرى ما بيننا صموت * * * ودأب من تحيروا السكوت
فلم يكن مني ولا منه كلام * * * بعد سوى مد اليدين للسلام
إذ قرب الرحيل فافترقنا * * * وأننا بما جرى احترقنا
من ليس ذا حزن لضعف الدين * * * فذو نفاق مختف مكنون
وكيف يرضى مؤمن أن يحكما * * * أمر بني الايمان وال أجرما
--==*==--
من يتمعن في موضوع هذه القصيدة يلاحظ أن ما جاء فيها ينطبق تماما على حالنا في هذا العصر مع أن الفارق بين زماننا وزمان ناظمها أكثر من 120 سنة، ولازلنا نعاني من نفس القهر والانحطاط، فبالرغم من الاستعمار الفرنسي الذي ولى زمانه، وبالرغم من أننا طردنا هذا الاحتلال من الشمال الإفريقي الذي عانى منه آباؤنا، لكننا سقطنا في نوع آخر من الاحتلال أعظم منه، نعيشه ونتجرع مرارته وهو الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، وتأييد العالم الغربي له تأييدا مباشرا وغير مباشر، وتغليب مواقف الصهاينة على احتجاجات الدول الإسلامية، وتأثيره السلبي في المجتمع الإسلامي اقتصاديا وسياسيا، فصدق ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمته {يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت} ولذلك يتواصل حالنا مع حال الذين عاصروا جمود الحمية الدينية وفتور الغيرة الإسلامية، ويتجلى ذلك في عجز الأمة الإسلامية من المحيط الهادي الى المحيط الأطلسي، عن إنقاذ المسجد الأقصى المبارك والذي ذكره الحق سبحانه في كتابه الكريم فقال {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}، وأمام هذا الأمر بعددنا وعدتنا نحن في موقف حرج مثل فيل ضخم حائر أمام تهديد نملة تافهة، لهذا السبب لن ينتهي حزن القلب ولن تنقطع دموع العين التي أذرفتها عيون جيل الشيخ الدرقاوي في نهاية القرن 19م، الذي أحس بأفول شمس عهد الإنسان المسلم الحر، وقد وافته منيته قبل أن تفرض الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912م، فكيف ستكون حال ألمه ونحيبه لو أدرك عهد الحجر والحماية، طبعا سيموت كمدا وحزنا على شرفه وعزه الذي ورثه عن أجداده.
--------------------------------------

المصدر : كتاب المعسول للعلامة محمد المختار السوسي
--------------------------------------
*
* * *
*

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire