الحجاج المغاربة القدماء ومعاناتهم - 7


* * *
*
الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -7

* * *
*
في هذا الموضوع عرض مفصل لإحدى عمليات النصب التي يقوم بها أفراد من عصابات قبائل العربان بين مكة والمدينة وشمال الحجاز، والتي كان ضحيتها ركب حجاج بيت الله الحرام
* * *
وقد رواها أمير الحج إبراهيم رفعت باشا، ويصف فيها تلك الرحلة المهولة والتي وقعت أحداثها في شهر محرم 1326 هـ موافق فبراير 1908 م وتعرف هذه الحادثة باسم حادثة المحمل، وقد كان أمير الحج على رأس هذه القافلة الضخمة من حجاج مصر وحجاج الدول المغاربية الذين كانوا يرافقون المحمل المصري في كل موسم حج كما هو معهود، فقال
سافرنا من المدينة بعد ظهر الأحد 21 محرم سنة 1326 هـ موافق 23 فبراير 1908 م ووصلنا آبار علي بذي الحليفة بعد مسيرة ساعتين، وهناك بتنا، وفي منتصف الساعة العاشرة من ليلة الاثنين قمنا إلى آبار درويش فوصلناها بعد 12 ساعة، استرحنا في واحدة منها وبآبار درويش كان مبيتنا
وقد اجتمعت بعد الغروب بالشريف علي بن هيازع المعين مأمورا للحج من قبل الشريف، وحضرا اجتماعنا كوماندان الحرس والمقوم، وكان مما قاله مأمور الحج والمقوم الجملة التالية ( أبشرك بأن الطريق ما فيه أحد وأن العربان فاهمين أن طريق الحمل هو طريق ( الطريف ) وأن ذلك بناء على أخبار وصلتهما ) قالها كل منهما على حدة، ثم تبين لنا أن الأمر بخلاف ما زعما، فقر رأينا على أن يؤخذ من الصرة 1000 ريال تكون مع كاتبها الأول ويسير هو والمأمور والمقوم وبعض الضباط أمامنا على مبعدة من ركبنا، وذلك ليمهدوا الطريق، وينزلوا من قمم الجبال من يرون من العربان، ويعطوهم من الألف المكافآت المناسبة، وفي منتصف الساعة 11 سرنا من آبار درويش يتقدمنا من أسفلنا ومن خلفهم صف من العسكر، وبعد مسيرة ساعة ونصف وصلوا مضيقا، وهنالك أطلق العربان الرصاص عليهم من جبلين متقابلين، فتقدم إليهم المأمور والمقوم، واتفقا معهم على 160 ريالا يأخذونها ويسكتون، فصرفت إليهم، وبعد أن سار الركب قليلا أعيد ضرب الرصاص، فأمرنا العسكر بتسلق الجبال لمنع هذا العدوان الذي حدث بعد المكافأة وإذ ذاك حضر رسول من قبل المأمور وأخبرنا أن الذين أطلقوا الرصاص الآن عربان قبيلة ( الرحلة )، أما الذي أطلقوه أولا فعربان ( الردادة )، وما زال إطلاق الرصاص مستمرا وعساكرنا تجاوبهم بطلقات البنادق ومدفع ( كروب ) ومدفع ( مكسيم ). وفي خلال ذلك انضم إلى قبيلة ( الرحلة ) أربع قبائل أخرى كانت قادمة من ينبع، فاشتد الضرب، فأرسل إليهم المأمور واتفق معهم على أداء 400 ريال ويتركون المناوأة، وقد سلم المبلغ إلى غنيمة وعاطر ومشايخ آخرين من قبيلة ( الرحلة ) بعد أن تعهدوا بعدم التعرض، ومسحوا وجوههم كما هي العادة عندهم إذا أرادوا الوفاء بالعهد، ثم اعتلوا الجبال لينزلوا العربان، فانقطع الضرب قليلا، ثم عاد أشد ما يكون، فقابلناه بأشد منه، وما زالت النيران مطلقة من الجانبين حتى تأكدنا من خطر الموقف، إذ لبثنا في مكاننا 5 ساعات ونصفا نتقاذف فيها الرصاص وقد أصيب 7 من جنودنا، لقي أحدهم ربه، وأصيبت امرأة توفيت من فورها، ومات 4 خيول، وأصيب اثنان برءا بعد ذلك، وكذلك أصيب 3 بغال، ومات من الجمال 13 وجرح نحو 20 ولما عجز المأمور عن إنزال العربان، وغاب المقوم محمد أبو حميدي عن الركب من ساعة أن تقدم إلى الأمام، ودنا الغروب، ولا تزال المسافة بيننا وبين آبار عباس بعيدة، فإن بتنا سنبيت على غير ماء، وليس من الماء ما يكفي، ولما أن حصل كل ذلك أشار المأمور بالرجوع لتفاقم الخطب، وارتأيت ما رأى حقنا للدماء، ومحافظة على الأرواح، فعدنا إلى بئر درويش وقت الظهر، وقد اشتد الضرب حينما رأى الأعراب عودة الركب، ولكن العساكر ما فتئت تدافع عنه حتى وصل البئر، وتركنا بمكان الموقعة قسما من العسكر ( بلكا ) يخفر الجرحى والموتى والأشياء التي وقعت حين هرول الجمال لما أن تكاثر الرصاص عليها، وساعة وصلنا إلى البئر وضعنا قوتين على جبلين حاكمين على مقام الركب، وقد وجدنا طائفة من العربان محتلة جبلا خلف ذلك الجبلين، وأطلقوا علينا بعض الرصاص، ولكن لم يصيبونا بسوء، ولما رأوا قوتنا أمامهم كفوا عن الضرب، وقد لبثنا في مقامنا هذا ساعة وثلثا حتى تكامل اجتماع الركب كله، وبعد ذلك تباحثت مع المأمور والكومندان في المبيت بهذا المكان، فقر رأينا على مغادرته إلى المدينة، فغادرناه إليها في الساعة 8 نهارا وحينما كنا ببئر درويش أرسلنا مع رسول كتابا إلى محافظ المدينة، قصصنا عليه فيه ما كان من العربان، وأخبرناه بأنا راجعون إلى المدينة، وفي ذلك الحين علمنا أننا لو كنا اجتزنا المضيق الذي حصل فيه الضرب لوجدنا أمامنا 5 قوى أخرى من عربان ( الأحامدة ) كانت تستعد لمشاكستنا بالطريق، وتأكدنا من ذلك بما رواه العربان لنا بعد عودتنا إلى المدينة، فإنهم قالوا : إن عربان الأحامدة كانوا محتشدين لنا في المضايق التي بين ( الجديدة ) و( بئر عباس ) وعلمنا أن العربان والأحامدة الذين اعتدوا على الركب كانوا يعتقدون أن دولة المشير كاظم باشا المنوط به إنشاء السكة الحديدية الحجازية مختف بصحبتنا، وأنهم من أجل ذلك نقموا علينا، وكاظم باشا هذا هو الذي خرج من المدينة في ذي الحجة قاصدا تخطيط السكة الحديدية بين المدينة ورابغ، ولما سار يومين اعترضه العربان، وأطلقوا عليه الرصاص، فقتلوا من جنده الذي يبلغ 1506 عسكري، وجرحوا 22، فعاد إلى المدينة لما رأى من فداحة الخط، لأن العرب حانقون عليه من أجل همه بتخطيط تلك السكة التي يظنون أن في إنشائها قطع أرزاقهم وتسليط الإفرنج، ولاسيما الألمان على بلادهم، وحنقوا علينا لما ظنوا اختفاء المشير بصحبتنا
* * *
ولم تمر حادثة المحمل هذه بسلام في القاهرة، فقد تناولتها الصحافة المصرية بالنقد، وتشكلت لجنتان بوزارة الداخلية للتحقيق في أسباب ونتائج هذا الحادث وبعد أن هدأت الأمور علقت الأسباب على شماعة عدم إبلاغ المسئولين في الحجاز واستشارتهم في أي السبل الآمنة يسير فيها المحمل المصري، وكأنما المحمل المصري كان يسافر إلى الأراضي الحجازية لأول مرة، وكأنما رجاله يجهلون أخلاق من يتعرضون لهم بالسلاح في مفاوز الصحراء
وكأنما نسيت لجنة التحقيق طبائع تلك الفئة التي تقتات على دماء من لا يدفع
ألم يقل هؤلاء الذئاب البشرية في صلافة (نحن نضرب الكف ونأخذ أجرته) وكأنما أذى العباد عندهم هوى مما يعشقونه
* * *
لقد ذكر لنا الأديب يحيى حقي في كتابه ( كناسة الدكان ) عبارة تلخص كل ذلك الرعب الذي تعرضت له قوافل المحمل المصري عبر تاريخ سيره في طريقه، فقال : كانت تروى لنا ونحن ونحن أطفال حكايات من مخاطر الطريق يشيب لها الشعر، فإذا كان هكذا رد الفعل لمن سمع، فما بال من رأى، وهل الله عز وجل لا يرى أحدا

---------------------------------
المصدر : كتاب المحمل للأستاذ حلمي

* * *
بسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)
صدق الله العظيم
* * *
وكلمة الختام التي تفرض نفسها في هذا المقام
أين الدين - أين النبل - أين الجود - أين الحمى
أين سماحة الإسلام أين الضيافة والاكرام
هذه الأسئلة ربما تحتاج إلى أجوبة
وإلى الموضوع القادم

* * *
-----------------------------------
تقديم : محمد زلماضي المزالي


------------------------------------

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire